بلال الداهية

في حيز جغرافي ضيق جدا يجمع بين الارتفاع من جهة والانبساط من جهة أخرى، يختبئ وراء قمة جبل أبي هاشم المسماة ب”سيدي إمام”، ووراء جبل العلم مرقد الإمام عبد السلام بن مشيش، ووراء جبال بني حسان وبني يدر، توجد قبيلة صغيرة الحجم ومغمورة جدا تعرف ب”بني ليث”. ويشق هذه القبيلة الوادي النازل من جبل كرشا والذي يعد أبعد روافد وادي مرتين الذي يصب في البحر الأبيض المتوسط، ولهذا فإن جزءا مهما من بلاد بني ليث يميل إلى الانخفاض، ولكننا كلما اتجهنا صوب الحدود مع قبيلة بني عروس يزداد الارتفاع، ويبلغ قمته فوق مدشر “تاينزة” في سفح جبل أبي هاشم، حيث تنزل الثلوج تقريبا كل عام بالموضع المسمى “المطاحن”.

ولشدة صغر مساحة هذه القبيلة، فإنها لا تحتوي على فرق، بل إننا إن ألقينا نظرة على بعض القبائل الجبلية المجاورة، سنجد بعض الفرق داخل هذه القبائل أكبر مساحة من بني ليث كلها. ولهذا فإن الكثير من الناس إلى يومنا هذا يعدون بني ليث فرقة من قبيلة بني حسان الجبلية، ولا يعتبرونها قبيلة مستقلة.

اسم “ليث” اسم علم عربي، فالليث من أسماء الأسد، وقد كانت الكثير من قبائل العرب تعرف ببني ليث في عصور الجاهلية، مها بنو ليث القضاعيون، وبنو ليث بن بكر بن عبد مناة من كنانة. فكيف جاء اسم ليث إلى هذه القبيلة المغمورة والمعزولة بين الجبال؟

يزعم بعض العوام في بني ليث أن طارق بن زياد كان منهم، وأنه من هنا جاء نعته في المصادر ب”الليثي”. والمعروف أن طارق بن زياد ليس ليثي النسب، بل هو منتسب بالولاء، وهذا حال جل الأعاجم في العصر الأموي، إلى قبيلة عربية تعرف ببني ليث من قضاعة، وأما نسبته فترجح معظم المصادر أنها إلى نفزة.

ووجدت في الأندلس قبيلتان حملتا اسم بني ليث إحداهما عربية كنانية سبقت الإشارة إليها، وقد كان الفقيه يحيى بن يحيى الليثي مولى لها بربري الأصل. والأخرى بربرية من زناتة كان جدها الأعلى مولى للوليد بن عبد الملك ودخل الأندلس مع طارق بن زياد ثم استقرت ذريته ب”شنت فيلة” (Santavela) والتي وصفها الإدريسي بأنها قلعة حصينة ومعقل للبربر منذ الفتح.

تذهب بعض التقاييد القديمة إلى أن ليثا هو اسم الجد الأول للقبيلة وأنه خلف ولدين اثنين هما خلال وهلال، وتزعم هذه التقاييد أن هذه الأسرة هي من الأشراف وقد اصطنعت شجرة نسب تزعم أن عمران بن عمر بن إدريس بن إدريس خلف ولدا اسمه محمد وأن محمدا هذا خلف ليثا وهلالا وأن هلالا هو جد بني مرزوق الغماريين، وأن ليثا هو جد قبيلة بني ليث، وأنه خلف كما قلنا ولدين هما هلال الذي انقطع نسله، وخلال الذي ينحدر منه السكان الأوائل للقبيلة.

لا يخفى ما في هذه الشجرة من انعدام الدقة، وهي المنسوبة إلى شخص من أهل القرن العاشر للهجرة/ السادس عشر للميلاد، ويدعى “محمدا بن علي الشاطبي الأندلوسي”، ولم يثبت قط أن لعمر بن إدريس ابنا يدعى عمران، والمعروف أن العمرانيين الذين يوجد أصلهم الأول في قرية “تالمبوط” من جبال غمارة ينحدرون على الأرجح من عبد الله بن إدريس وليس من عمر. ولهذا أنكر معظم النسابة ونقباء الأشراف نسبة بني خلال بن ليث هذا إلى الشرف أصلا. كما أنكروا نسبة المرازقة الغماريين، والمعروف أن أسلاف المرزوقيين قدموا من تلمسان.

شاركها.

باحث في التاريخ

اترك تعليقاً

Exit mobile version