محمد أملح
اهتّم كثيرٌ من المغاربة والمشارقة بشخصية العلامة سيدي عبد الله كنون الحسني لريادته على أصعدة علمية وفكرية متعددة.

وقد أجريت معه عدة لقاءات وحوارات عبّر من خلالها عن نظرته إلى مجموعة من القضايا الإسلامية والأدبية والعلمية، المغربية منها والعربية.كما ضمت هذه الحوارات، في أرجاء منها، جوانب من السيرة الشخصية لهذه المعلمة المغربية الشامخة. ولعل أبرز هاته الحوارات وأوسعها، التي سأجمعها في كتاب واحد سيرى النور قريباً، تلك التي نشرت في جريدة العلم ومجلة الكرمل ومجلة الفيصل. وأسعد اليوم بتقديم قطعة من حوار جديد لا أشك في أن المتخصصين بدراسة هذه الشخصية قد غفلوا عنه وعن محتواه؛ فقد وقعت في يدي هذه القطعة على شريط فيديو، حيث يحكي من خلالها العلامة كنون قصة انتقال أسرته من فاس، واستقرارها بمدينة طنجة، وما رافق ذلك من المشقات التي لحقتهم وهم يغادرون فاساً، ويقولون لها وداعاً يا أرض الآباء والأجداد، فراراً بدينهم، وعزوفاً عن الخضوع لحكم الأجنبي المعتدي بالمكر والقوة على هذا الوطن العزيز.

لذلك، عزمت على تخريج النص من الشريط، منسقاً إياه بما يحتاج من أدوات الربط، عسى أن يجد فيه المهتمون بهذه الشخصية إشارات أو معلومات أو تفاصيل جديدة لم يسبق ذكرها فيما كتب عن سيدي عبد الله أو فيما قاله عن نفسه في مذكراته أو في مناسبات حوارية مختلفة. 

 نص القصة :
 «عند انتقالي من فاس إلى طنجة، وفاس هي العاصمة الروحية للمغرب، والعاصمة العلمية، كنت مكرهاً ولم يكن لي خيار في ذلك ، لأني انتقلت من فاس مع العائلة؛ مع والدي رحمه الله.كنت في طفولتي الأولى، وبالتدقيق في سن السادسة، والأسرة ستنتقل. والانتقال كان بقصد الهجرة إلى المدينة المنورة، التي كانت الأسرة تحدث نفسها بها منذ أن وطئ الأجنبي أرض الوطن في سنة سبعة (1907م) حين نزل بالدار البيضاء. فوالدي رحمه الله وعَمِّي بصفتهما من العلماء الملتزمين الذين لا يرضون أن يخضعوا لحكم الاستعمار والسيطرة الأجنبية، انزعجوا كثيراً.
وكان جدي الشيخ التهامي رحمه الله أيضاً من العلماء والمحدثين والفقهاء الكبار، وكان أيضاً قد انزعج من هذا الحدث. وكان في سن متقدمة، فلم يقبل هو أيضاً الخضوع للسيطرة الأجنبية والعيش تحت حكم غير إسلامي. ففكر هو أيضاً في الهجرة. ولكن، كان الأمل في أن الأجنبي سينسحب، وأن قواتنا الوطنية وجيشنا المغربي سيدحض هذا الدخيل. فبقي الأمر يتطور من عام سبعة (1907م) إلى عام اثني عشر (1912م)، حيث أُمضيت الحماية، ولم يبق فيها كلام حينئذ. ومن حُمْقِ المستعمرين، والفرنسيين بالخصوص، أنه في تلك الأيام التي دخلوا فيها التفتوا إلى جامعة القرويين، وإلى جمع علماء فاس كلهم في البطحاء1.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version