ياسين أغربي
مما لا شك فيه أن الموقع الاستراتيجي لقبيلة بني زجل بالساحل الغربي لغمارة جعل من هذه المنطقة عبر التاريخ، صلة وصل بين أوربا وإفريقيا من جهة، وبين الشرق والغرب من جهة ثانية، لذا تأثرت المنطقة بالثقافة العربية الإسلامية، كما تأثرت بالثقافة الأندلسية، فأصبحت تنافس غيرها من حواضر المغرب، وهكذا ازدهرت في هذه المناطق حركة ثقافية وفكرية، وبدأت تؤتي أكلها، وبدأ يظهر في هذه المناطق علماء ومفكرون في مختلف أنواع المعرفة”.
ومن المعروف أن هناك تضاربا تاريخيا لدى الدارسين القدامى والمعاصرين حول مرحلة ظهورها، فهناك من يرى أن هذه المدارس قد ظهرت في القرن الخامس الهجري إبان فترة المرابطين، وهناك من يذهب إلى أن هذه المدارس لم تظهر إلى حيز الوجود إلا في القرن السادس الهجري مع سلاطين الدولة المرينية، بيد أن هناك من يذهب إلى أن ظهورها كان أقدم من ذلك بكثير، وذلك مع الفتوحات الإسلامية التي استهدفت نشر العقيدة الإسلامية واللغة العربية.
وهكذا بدأت قبيلة بني زجل على غرار باقي قبائل غمارة حتى مطلع القرن 20 م تعج بالعلماء والصلحاء، تدرس فيها الفروع العلمية بمختلف أنواعها من فقه ولغة وأصول وتفسير ورياضيات وطب وغيرها، وكان من عادة الطلاب في هذه المنطقة أنهم لا يرحلون إلى فاس إلا وقد ملئت عقولهم علما وثقافة، فكانت القبيلة تغذي القرويين بالطلاب والفقهاء، وتتجاوب مع جوها الثقافي تجاوبا تاما، لا سيما وأن المواد التي كانت تدرس بالقرويين كان جلها يدرس بمعاهد ومدارس قبائل غمارة.
لقد حظيت المدارس والمعاهد الدينية باهتمام كافة شرائح المجتمع، حيث تسابق في ذلك المحسنون من الميسورين وحتى الفقراء بالعمل والمؤونة، فانبثت عبر أفخاد وفرق قبائل غمارة، وأشاعت العلم ونورت الأفكار، فولجها الطلبة والفقهاء معا، وكان أصحابها وأهل البلد يوفرون للطلبة بيوت الإقامة والمؤونة، وكان مشيدوها في الغالب علماء حبسوا جل وقتهم للكتابة والتدريس والإفتاء، فجعلوا في الغالب مدارسهم ملحقة بدورهم، ودرسوا بها أبناءهم على عادة فقهاء القبائل المغربية، وكان الطلبة يمكثون في هذه المدارس لشهرتها، الشهور بل السنين، فيكونون الأصحاب والمعارف، بل منهم من قام بها مقام الأستاذ، ومن أبرز هذه المدارس والمعاهد العلمية في قبيلة بني زجل نذكر ما يلي:
المركز العلمي لتاسيفت:
وله أسماء اخرى بالقبيلة كـ”مسجد الصومعة” أو “جامع أونى”، ويعتبر هذا المسجد من أبرز المراكز العلمية في القرن 20م، بناه الجنرال الاسباني فرناندو كاباص إبان حرب الريف التحريرية حسب الروايات الشفوية المحلية، الذي كان يتكلم العربية بطلاقة ويحفظ بعضا من أيات القرأن الكريم، تخرج من هذا المركز العديد من العلماء، أبرزهم الفقيه والمدرس عبد القادر الغزواني وصديقه الراضي خرباش، وهذا الأخير دأب خلال فترة تواجده بالمسجد على تلقين القرأن وعلومه، وعمل في هذا المركز على إقراء الطلبة والتحليق بالدرس سنة 1932م، بعد قدومه من جامع القرويين بفاس، حيث سبق له أن كان طالبا بهذا الجامع في مرحلة أخذه العلمي. وفي جامع الصومعة كان يرحل إليه العديد من الطلبة، وكان ممن استفاد من هذا المركز العلمي الفقيه محمد الترغي، حيث كان يدرس بهذا الجامع الفقه والنحو والأصول والتوحيد ومصطلح الحديث، والمنطق والاستعارة وغيرها من العلوم وكان يجتمع على حلقات درسه حوالي 30 طالبا.
يقول محمد الترغي عن هذا المركز العلمي: “… وبعد انتقالي من جامع الصومعة، لم أجد من يملأ عيني في الدرس وإدارته ولم أجد من يضاهيه من الفقهاء الذين جلست إليهم، كما كان يمثله أساتذة جامع الصومعة (يقصد الفقيه الراضي أخرباش)”.
بعد وفاة الفقيه الراضي خرباش سنة 1969م خلفه صديقه الفقيه عبد القادر بوجمعة في إمامة المسجد وخطيبا بها ومدرسا للقرآن الكريم وعلومه وتوفي هو الآخر سنة 1989م وأقبر بمسقط رأسه بمركز تاسيفت.