عبد الواحد البقالي
يعتبر هذا الرجل رحمه الله من أهم الشخصيات التي انجبتهم مدينة طنجة ، وهو مفكر متنوع القراءة والكتابة ، تنوعت معارفه وتعددت اهتماماته ، فكتب في الأدب والشعر والتاريخ والفكر الاسلامي والعلوم الشرعية والقضايا التربوية والاجتماعية وغيرها. اضافة أنه كان فاعلا جمعويا جادا ومؤسسا لكثير من الجمعيات والنوادي العلمية والثقافية والاجتماعية
امتلك هذا الشخص الفذ مواهب فطرية ربانية خاصة وتوفرت لديه مؤهلات كبيرة اكتسبها من خلال ممارساته وعمله الذؤوب وتواضعه الكبير ، مما اعطاه حضورا قويا وفاعلا في الخريطة الثقافية والاجتماعية لمدينة طنجة واصبح محبوبا لدى الجميع .
ينحدر الأستاذ عبد الصمد العشاب رحمه الله من أسرتين شريفتين ( اسرة العشاب واسرة كنون ) اللتان اشتهرتا بالعلم والصلاح والنبوغ والفضل والكرم والتقوى.
فمن فرع ابيه ينتمي للاسرة الاولى ومن حيث امه ينتمي الى الثانية. فهو عبد الصمد بن محمد بن محمد بن عبد السلام العشاب الحسني، من مواليد مدينة طنجة ازداد يوم السبت 30 شعبان 1356ه الموافق 29 يوليوز 1937.
تلقى تعليمه الابتدائي بالمدرسة الإسلامية الحرة بطنجة حفظ فيها القرآن الكريم وحصل منها على الشهادة الابتدائية. و في بداية الخمسينات اتجه المرحوم إلى التعليم الديني بطنجة فدرس مختلف العلوم الشرعية على أبرز شيوخ وعلماء المدينة آنذاك ثم انتقل فيما بين 1953 و1955 للدراسة بجامع القرويين بفاس ليتفقه في الدين وبتعمق في المواد الشرعية والدينية . ثم عاد لطنجة ليتحق بالمعهد الديني بمدينة تطوان ليتابع به دراسته الثانوية.
وخلال هذه المرحلة الحاسمة من حياته الدراسية تمكن من تلقي دروس مكثفة في مختلف العلوم الدينية كالتوحيد والعبادات والفقه المالكي وفقه المذاهب الأربعة والنحو والبلاغة والمنطق والحديث والتفسير والقراءات والتجويد ….
وبعد انهاء دراسته الاعدادية والثانوية ، مارس مهنة التعليم بطنجة كاستاذ للغة العربية لمدة 12 سنة امتدت من 1962 الى 1974.وفي سنة 1974 أصبح أستاذا متفرغا بالأمانة العامة لرابطة علماء المغرب لمدة عشر سنوات وأشرف خلالها على صحافتها جريدة “الميثاق ” و “مجلة الإحياء”. وفي منتصف الثمانينات كلفه خاله العلامة الفاضل سيدي عبد الله كنون رحمه الله بالإشراف على مكتبته العامرة والتي أوقفها في سبيل الله على الباحثين والمثقفين والقراء …
وبقي المرحوم العشاب محافظا على هذه المكتبة المباركةالى ان توفي رحمه الله في 8 مارس 2012. وخلال حياة خاله سيدي عبد الله كنون رحمه الله ، كان يفارقه ليلا ونهارا ويلازمة في غدوه وترحاله…مما جعله يتخذه نموذجه الاعلى فقلده في الشكل والمضمون. فتشبه بخصاله ونهل من علمه ونهج نهجه في البحث والتنقيب والتدبير وعمق التفكير …فكان كاتبه الشخصي وأمين سره .
يقول عنه محمد بن احمد اشماعو في كتابه ” وجوه نضرة ” : ” عبد الصمد العشاب ابن طنجة الكريمة ، فاز علينا بأن خاله وراعيه وواضع ثقته فيه هو الاستاذ الجليل عبد الله كنون انه خير طالب لخير استاذ”.
فقد ورث عنه الوداعة والطيبوبة والرصانه وعمق القراءة والاطلاع وتنوع المعارف وتعدد الاختصاصات وحمل هموم الامة. وقد قال عنه الدكتور عبد اللطيف شهبون حفظه الله خلال تكريمه 2009 : ” انه باحث عاكف على استقصاء ودراسة مصادر ثقافتنا المغربية العربية الاسلامية ..وهو مؤرخ نافذ البصيرة في قضايا التاريخ الوطني والعام …وهو قبل ذلك وبعده انسان وهبه الله مناقب خدمة العلم بتقديمه العون والتوجيه لطلاب الحقيقة بتواضع جم ورحابة صدر .. “.
ومن حيث الكتابة والتأليف فقد تنوعت كتاباته تبعا لتعدد اهتماماته ، ففقد نشرالعديد من المقالات والابحاث والدراسات في كثير من المجلات والجرائد الوطنية والعربية : كمجلة البحث العلمي، دعوة الحق، المناهل، الميثاق، جريدة الشمال وجريدةطنجة…عالج فيها مختلف المواضيع السياسية والاجتماعية والثقافية …
كما ترك لنا كتبا قيمة منها ما هو مطبوع ومنها ماهو مخطوط ، والمطلع على ما تركه المرحوم من مؤلفات ليتأكد علم اليقين ان الرجل كان كان مفكرا عبقريا… تميز فيها بحافظة كبيرة واطلاع واسع ومعرفة دقيقة بالتراجم وكتب الفهارس وعلوم الشريعة وعلم التاريخ والادب والشعر … وهي في نظري واحدة من المزايا التي ورثها عن خاله العالم والاديب عبد الله كنون رحمه الله.
ومن اهم ما خلفه لنا المرحوم عبد الصمد العشاب :
” من أعلام طنجة في العلم والأدب والتاريخ والسياسة” وهو كتاب هام في التعريف بالحركة العلمية التي عرفتها مدينة البوغاز عبر تاريخها الطويل صدر الكتاب سنة 2009.
- وكتاب ” الشيخ مولاي عبدالسلام بن مشيش ” وهو كتاب مفيد، عرف فيه بهذا القطب الرباني المدفون بجبل العلام والمتوفى 626ه وهو من مطبوعات الاسلامية للتضامن الاسلامي.
- وكتاب ” البوصيري ” عرف فيه بشاعر المديح النبوي المشهور عند الخاص والعام
- وكتابه الهام ” فهرس مخطوطات مكتبة كنون ” وهو كتاب طبع سنة 1996 بامر صاحب الجلالة الحسن الثاني واصرته وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية .
- وكتاب ” تحية طنجة ” وهو مجموعة نصوص شعرية .
- وكتاب ” خمسون سنة على الزيارة التاريخية لبطل التحرير المغفور له محمد الخامس ” نشر سنة 1970 من طرف المندوبية السامية لقدماء المقاومين وجيش التحرير .وغيرها من المؤلفات التي لم يسبق لي ان اطلعت عليها .
- وآخر اصدار له هو ” انوار صوفية واشراقات ربانية لعلماء وصلحاء المغرب ” اعدته ونسقته ابنته البارة ووريثة سره الدكتورة الفاضلة نبوية العشاب، قدم لها الكتاب الدكتور المحترم عبد اللطيف شهبون وهو في نظرهة” بمثابة خلاصة لاثر قراءة مباركة للمرحوم في بعض ذخائر واعلاق المكتبة الصوفية…ونشر الكتاب في يونيو 2018 ( وبالمناسبة اهدتني ابنته هذا الكتاب اللطيف المباركووقراته عدة مرات ولم أمل من قراءته لانه يتضمن اقوالا حكيمة صادرة من شيوخ كمل كانوا ملاذات آمنة في الدلالة على الله ) .
ومن جهة اخرى كان المرحوم ناشطا جمعويا انخرط كعضو متطوع للعمل في كثير من جمعيات المجتمع المدني وساهم في تأسيس بعضها . وقدم في هذا الاطار خدمات جليلة اجتماعية وثقافية وانسانية لاهل طنجة وغيرها.
فكان عضوا في جمعية رابطة القلم بفاس 1952 وجمعية ابن بطوطة بتطوان 1954 ، وكان رئيسا لجمعية وحدة الشباب العرب بسلا 1956 فرع طنجة وكاتبا عاما بنادي المعلمين بطنجة 1962وكاتبا عاما للجمعية الخيرية ورئيساء للجنة الثقافية لجمعية البوغاز.وكاتب عام للجمعية الخيرية وعضو في جمعية تنمية طنجة والمحافظة على مآثرها وعضو مؤسسة عبد الله كنون للثقافة والبحث العلمي . ونظرا لديناميته ونشاطه ومساهماته في كل المجالات تقلد المرحوم عدة اوسمة وحصل على كثير من الميداليات اهمها وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة سنة 1987 و ميدالية فضية من المندوبية السامية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير.
وبناسبة الاحتفاء بالذكرى المائوية لميلاد المرحوم عبد الله كنون والتي صادفت الذكرى الثالثة والعشرون لتأسيس مكتبة كنون تم تكريم المرحوم بقصر مولاي حفيظ بطنجة يومي 28 و 29 ابريل 2009 القيت في الحفل كلمات وشهادات من شخصيات وازنة في حق مفكر طنجة صدرت في كتاب ” عبد الصمد العشاب …الذات والظلال ” .
ومن بين الشهادات المهمة قي حق الرجل للدكتور غبد الجليل بادو ( وهو بالمناسبة استاذ درسني مادة الفلسفة بثانوية ابن الخطيب بجانب استاذ اللغة الغربية وآدابها المرحوم الدكتور عبد الله المرابط الترغي) يقول بادو :
” الاستاذ عبد الصمد العشاب يستحق اكثر من تكريم ، لان الجوانب التي يمكن من خلالها التحدث عنه جد متعددة ومتنوعة فهو الاستاذ المتخلق الانساني والمؤدب متشبت بعقيدته الدينية الاسلامية المتسامحة والمنفتحة على التطورات التي يعرفها العصر كل مواقفه وارائه تقوم على الوسطية والاعتدال لا على التشدد والتعصب وهذا ما اكسبه مرونة قل نظيرها جعلته يكسب صداقات مع فئات مختلفة ومتنوعة الثقافة والانتماء الاي بالرحمة ديولوجي والسياسي وهذا امر ليس في متناول اي كان لانه يتطلب التوفر على خصال انسانية حقيقية وتلك هي ميزة الاستاذ عبد الصمد العشاب فان انسانيته تطفو بشكل تلقائي في كتاباته وفي نقاشه وحتى في بعض الطرائف التي تصدر عنه احيانا …..”
أهدي هذه الموضوع للدكتورة الفاضلة نبوية العشاب ابنة الفقيد …واهديه كذلك للروح الطاهرة لاستاذي واخي الغالي على قلبي عبد الصمد العشاب…
وارجو ممن قرا الموضوع الترحم على الفقيد والدعاء له بالرحمة والمغفرة .