أحمد المريني
صدر عن منشورات مكتبة سلمى الثقافية سنة 2021 كتاب «الحرف والصنائع بتطوان خلال العقد الأول من القرن العشرين» لمؤلفه ألكسندر جولي (1870-1913). وهو ضابط في الاستعلامات الفرنسية، وأخصائي في الجيولوجيا والأركيولوجيا، وحائز على دبلوم في اللغة العربية ودبلوم في الدراسات التاريخية بمدرسة الآداب بالجزائر. وقد أنجز دراسته حول الحرف والصنائع بتطوان أثناء مقامه بالمدينة بين 1904 و1906، بدعم من البعثة العلمية الفرنسية التي كان يشتغل في إطارها ولحسابها. وعليه، فإن النص المترجم رحلة علمية/ استكشافية اعتمد فيها المؤلف على الوصف الدقيق والقياس والمقارنة، واستثمر فيها مستحدثات العلم والتقنية (تحاليل مخبرية وأدوات القياس الحديثة ومعارف جيولوجية…).
والكتاب جزء من أطروحة جامعية تقدم بها الأستاذ جمال الدين العمارتي لنيل شهادة الدكتوراه في الآداب، تكوين لسانيات تواصل ترجمة، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، بإشراف الأستاذ الدكتور نزار التجديتي وإشراف الأستاذ الدكتور مصطفى الغاشي عميد الكلية.
وقد قسم ألكسندر جولي كتابه إلى مقدمة وعشرة فصول. تطرق في المقدمة إلى المنهجية التي اتبعها في تقسيم الصنائع بالمدينة، ثم تناول بالدرس عبر الفصول صنائع الجلد وصنائع الطين المشوي والصنائع المعدنية وصنائع النسيج والملبوسات وصنائع الخشب والعظام وصنائع عمال المباني وحرف التغذية وصنائعها وحرف البحر وصنائعه، ثم تعرض أخيرا للحرف والصنائع الصغيرة ولبعض المهن الصغيرة المستقدمة من أوروبا. وختم جولي دراسته ببعض الخلاصات الهامة. وقدم جولي عبر هذه الفصول مسحا كليا للحرف والصنائع بالمدينة، وجردا لكل ما يتعلق بها من ورشات وصناع وأدوات وتقنيات ومواد أولية، ومنتوجات وأثمانها وطرق تسويقها.
وقد عمل المترجم الدكتور جمال الدين العمارتي على إضافة هوامش للهوامش الأصلية لجولي وذلك بغرض شرح وتبسيط ما استغلق في المتن من ألفاظ، خاصة ما تعلق بمصطلحات الكيمياء والجيولوجيا والرياضيات، وأضاف في البعض الآخر معطيات تاريخية تفسر بعض المعلومات الواردة في المتن أو تضيء سياقه التاريخي. كما وضع المترجم معجما مزدوج اللغة (عربي-فرنسي) للصنائع بتطوان، قسمه إلى تسعة أجزاء، كل جزء عبارة عن معجم خاص بالصنائع التي تشتغل بنفس المادة الأولية ثم أنجز أربعة كشافات لتيسير البحث في الدراسة المترجمة: كشاف معجم الصنائع بتطوان، وكشاف الأشكال والرسوم، وكشاف الأماكن، وكشاف الأعلام.
ويمكن القول إن ترجمة هذا العمل إسهام في تثمين صنائع تطوان باعتبارها تراثا ثقافيا غير مادي يستوجب الصون بوضع تدابير ترمي إلى ضمان استدامته وتحديده وتوثيقه وإجراء البحوث بشأنه والمحافظة عليه وحمايته وتعزيزه وإبرازه ونقله، وإحياء مختلف جوانبه بما يتماشى ومقتضيات “اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي” المعتمدة من اليونسكو، والتي صادق عليها المغرب سنة 2006، ونشرها في الجريدة الرسمية سنه 2009. وهي من جهة أخرى توفر مادة علمية خصبة للباحثين في مجالات التاريخ الاجتماعي والأنتروبولوجيا والصوريات.
وقد خص الأستاذ الدكتور نزار التجديتي الكتاب بتقديم هام أكد فيه أن الترجمة كانت أمينة ودقيقة، وبين الإطار الذي أنجزت فيه الترجمة، والسياق التاريخي الذي أنجز فيه جولي دراسته مبرزا قيمتها العلمية والمعرفية والتاريخية، واعتبر ها أفضل ما كُتب عن الحرف والصنائع بتطاون.