بلال الداهية
بعد نجاح الدعوة الإصلاحية التي قام بها مشايخ جبال غمارة، ستشهد منطقة بني سعيد دخول الطرق الصوفية التي ستساهم هي الأخرى في ترسيخ التدين، والزيادة من أعداد المدارس القرآنية في الناحية، خاصة وأن أرض بني سعيد أصبحت تعج بالصلحاء والأولياء، وغدت تتوفر على العديد من المراكز الدينية المهمة جدا نذكر منها خمسة نماذج:
1. زاوية أشهر أولياء القبيلة على الإطلاق وهو قاسم بن علي ابن صبيح، وهي المعروفة ب”زاوية سيدي قاسم”، وأولاد ابن صبيح كما ذكرنا ينتسبون منذ القدم إلى الشرف العمراني، وأصلهم من سبتة، وقد عاش قاسم هذا في القرن الحادي عشر للهجرة/ السابع عشر للميلاد، ولم نقف على معلومات وافرة عنه، سوى ما أشار إليه الولي الصالح أبو العباس أحمد ابن عجيبة في بعض مؤلفاته من كونه تعرض إلى نكبة كبيرة، وطارده بعض الحكام، دون أن يفصح عن هويتهم، فلجأ إلى زاوية أبي العباس أحمد الغزال الأندلسي في “ترغة” واحتمى بها. وسوى ما يروى عنه من كرامات. ويقام عند هذه الزاوية إلى الآن موسم عظيم في مولد النبي صلى الله عليه وسلم. إلا أن قاسما المذكور لم يكن بانيها، بل انتهت إليه رئاستها إلى أن توفي ودفن بها، وبانيها يعرف ب”الحاج موسى السريفي”.
2. ضريح “سيدي رحمون” وهو ولي أندلسي لعله من أهل القرن العاشر للهجرة/ السادس عشر للميلاد أو بعيد ذلك. وضريحه مزار مبني بناء حسنا، ولم يكن محيط هذا الضريح مأهولا، بل لعله كان رباطا للجهاد وتعليم القرآن، إذ توجد فوقه غابة تطلق عليها العامة اسم “خلوة الصوالح”. وغير بعيد عن هذه الغابة تأسس مدشر أطلق عليه اسم “إصلاحن”، ومعناه: “أهل الصلاح”، اجتمعت فيه عدة عائلات قدمت من مداشر أخرى، واشتهر خلال القرون الأخيرة بتحفيظ القرآن وبتزويده لمدينة تطوان بالمئات من أئمة المساجد. فمن الأسر التي سكنت هذا المدشر عائلة “اشخيخم” التي قدمت من مدشر “الذكار”، وهي عائلة جاءت من فاس ثم قبل ذلك من الأندلس. وعائلتا “الزراد” من “إزرادن” و”تاسيفت”، و”الهراس” من “إهراسن”. وعائلة “أحجام” من غمارة.
3. زاوية الريسونيين، وقد سكنوا بني سعيد قادمين من مواطنهم الأصلية ببني عروس في القرن الثاني عشر للهجرة/ الثامن عشر للميلاد. وأول من نزل “أمسا” منهم هو أحمد بن الحسين بن علي، وخلف ولدا واحدا هو “الصادق”. وهو جد كل ريسونيي بني سعيد، ولهذا يعرف فرع منهم بلقب “ابن الصادق”. والمعروف عن هذه الزاوية أنها كانت غنية جدا وتملكت الكثير من الأراضي عن طريق الوقف، وأغلب من حبس عليها الأراضي هم أهل تطوان، إذ سكن ريسونيو بني سعيد تطوان في فترة مبكرة من تاريخهم.
4. وأسس أولاد ابن عجيبة مشايخ الطريقة الدرقاوية زاوية في بني سعيد في مدشر “إهرموشن”، بناها الشيخ أبو العباس أحمد ابن عجيبة دفين أنجرة، وسكن ابنه عبد القادر مدشر “بني بغداد” السعيدي، ثم من بعده أولاده أحمد ومحمد والأمين. والمعروف أن الولي عبد القادر بن أحمد ابن عجيبة كان يأمر مريديه بالاقتصاد في اللباس والميل إلى خشونة العيش. وقد تحولت الزاوية إلى معهد ديني كبير لحفظ القرآن، وكان أشهر علمائها تلميذ الشيخ عبد القادر وصاحبه أبو عبد الله محمد المفضل بن الحسين أزيات الخرشفي القادم من قبيلة الأخماس، وقد أخذ عنه علوم التصوف بالخصوص. وكان الناس يقصدونه من كل ناحية طلبا للفتوى، إلا أنه اتخذ موقفا سلبيا من بني سعيد قبيل وأثناء فترة الحماية الإسبانية لقطعهم الطريق وعصيانهم السلطان، ثم لعدم حملهم السلاح في حرب الريف، وتركهم فريضة الجهاد، فهجاهم في أرجوزة طويلة مكونة من مئة وعشرين بيتا، من بين أبياتها ما قاله في قضية نهب المسافرين وعصيان السلطان:
فكل منكر بحكم الشرع… قد صار محبوبا لهم بالطبع
إذ رفضوا أوامر السلطان… وسلكوا مناهج الشيطان
وقتلوا الأشياخ والأعوانا… وانتهبوا أسلابهم عدوانا
ومما قاله في موضوع تقاعسهم عن الجهاد:
قد أشربوا محبة الكفر البواح… لسان حال أرضهم بيدي النواح
على ثغور أسلموها للعدا… إن لهم يوم العقاب موعدا
وبسبب مواقفه هذه كرهه قائد القبيلة محمد البقالي المعروف ب”القرفة” الذي كان مواليا للإسبان، فعينه قاضيا على القبيلة رغم تهربه الشديد من المنصب، ليجد وسيلة للإيقاع به، ولكنه لم يفلح في ذلك. وقد توفي الشيخ أزيات في عام 1360 هـ/ 1941م ودفن على الحدود مع بني حسان. وخلفه في قضاء القبيلة تلميذه العلامة عبد السلام بن اليزيد الخراز، وهو من الأشراف الخرازين الذين سكنوا “أزرزا” و”إخرازن” قادمين من بني عروس. وقد تعرض أيضا لمضايقة القائد القرفة، إذ كان الخراز قد ولي القضاء سابقا من طرف الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي أيام حرب الريف. وقد عمر الفقيه الخراز طويلا لأكثر من مئة سنة وكانت وفاته عام 1405 هـ/ 1985م.
5. وتعتبر قبيلة بني سعيد إحدى أكثر القبائل التي سكنها البقاليون إذ يوجدون في نسبة كبيرة جدا من مداشرها منها “اشروضة” و”تاسيفت” و”المدشر الأحمر” و”أغنوري” و”تزغارين” و”أوشتام”… وكلهم من الفرع المسمى ب”البقاليين العيساويين الكبار” القادمين من بني حسان. ولهم في بني سعيد زاوية تنسب إلى الولي الصالح عبد السلام كحل العيون قرب وادي لو. وبها قبره الأصلي. وكان بنو سعيد يكرهونه ويسيئون إليه، فكان يصبر على أذاهم، ويخرج إلى خلوته ببني معدان بمصب وادي مرتين، فلما توفي دفن بزاويته تلك، وبنيت قبة أخرى في موضع خلوته، ويقال: إن أبناء أخيه نقلوا جثته من موضع دفنها الأصلي إلى الخلوة. والله أعلم بذلك.