بلال الداهية
أيا كان أمر التسمية والسكان الأوائل لبني ليث الذي يبقى غامضا جدا، فإن بعض النصوص تشير إلى أن “دار ابن أفكث” هو أحد أقدم التجمعات البشرية في بني ليث، وكان ابن أفكث هذا حيا في نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع للهجرة، أي في العهد الموحدي، وتزعم هذه النصوص أن ابن أبي الطواجين حينما خرج من قبيلة بني يسف مظهرا دعوته، في طريقه إلى سبتة ثم وادي لو، نزل عند ابن أفكت فآواه وأكرمه وأحسن إليه. وبقي المدشر منذ حينها يعرف ب”دار أفكث” ثم صار لاحقا يسمى بالصيغة البربرية “إفكاثن” وهو اسمه الحالي. وربما صح قدم تعمير هذا المدشر لقدم منازله من جهة، ولمجاورته مدشر “الحيوط” الذي يدل اسمه ورسمه على وجود تعمير قديم به أيضا.
ربما كان صغر مساحة القبيلة هو السبب في اعتبارها لدى الكثير من الناس قطعة من بني حسان، بل إننا إن عدنا إلى بعض النصوص التي كتبت في القرنين العاشر والحادي عشر للهجرة/ السادس عشر والسابع عشر للميلاد، سنجدها تعتبر بني ليث جزءا من جارتها الشمالبة قبيلة بني حزمار، وفي هذا الصدد نصادف في أحد دواوين الأنساب ما نصه: “… في مدشر بني ليث من القبيلة الحزمرية”. ولعل سبب انضواء بني ليث تارة مع بني حزمار وتارة مع بني حسان هو البحث ربما عن حلف قبلي يعوضهم عن قلة الكثافة السكانية بسبب صغر المساحة، خاصة وأن الحروب كثيرا ما نشبت بينهم وبين جيرانهم بني عروس، الذين انتزعوا من بني ليث بعض المداشر خاصة “الدرادر” و”امشيشون”.
إن قبيلة بني ليث هي ركن الضاربين في الأرض وملجأ الهاربين، ساهم في ذلك على وجه الخصوص بقاؤها بعيدة تماما عن الغزو البرتغالي، ولهذا يغيب ذكرها كليا في حدود علمنا عن المصادر البرتغالية، وإن كنت أعتقد شخصيا أن المقدم الذي عينه قائد القصر الكبير طلحة العروسي على قبيلة بني عروس والذي سماه البرتغاليون Bençalma Laiete وترجمه د. حسن الفيكيكي ب”بنسلمة الغياثي”، أعتقد أن اسمه “الليثي” لا “الغياثي”. فلقب “الليثي” منطقيا أقرب إلى عبارة Laiete الواردة في حوليات أصيلا.
كان مهاجرة بني عروس هم الأوفر عددا نحو قبيلة بني ليث، ولهذا نجد للكثير من العائلات العروسية امتدادات في هذه القبيلة، على رأسها أولاد الخراز في مدشري “أمغارث” و”إفكاثن” وهم أبناء عمومة خرازي “الدرادر” الداخل الآن في حدود جارتهم بني عروس. ومنهم أسرة “أخريف” التي يعرف تجمعها البشري في بني ليث ب”إخرفان”. وعائلة “الحداد” المنحدرة من محمد الملهى بن أبي بكر وهو عم القطب عبد السلام بن مشيش.
ومن أكبر الأسر المهاجرة من بني عروس أيضا أسرة المؤذنين اليملحيين والمستقرة على الخصوص في مداشر “إفرطن” و”أوراغن” و”تيميزار”. وأسرتا “حمدان” و”كرمون” المهاجرتان من قرية “الحصن” قرب الضريح المشيشي، واللتان توجدان في مداشر “الحيوط” و”تاينزة” و”إفرطن”. ومن العائلات التي تتمسك بوثائق قديمة تنسبها إلى الشرف العلمي عائلة “بوراس” التي تقطن مدشرا صغيرا يدعى “إبوراسن” على حدود القبيلة مع جارتها بني حسان…
ولأهل بني ليث تعلق كبير بالإمام عبد السلام بن مشيش، ومن أدلة هذا التعلق وجود أثر منسوب إليه قرب مدشر “تاينزة” إذ يزعمون أن ابن مشيش لما كان عائدا في سفر له إلى داره بجبل العلم، مر من سفح جبل أبي هاشم قرب القرية المذكورة، فكان من كراماته أنه انتقل منها إلى داره بمشية واحدة، فطويت له الأرض طيا، ويزعم العوام أن موضع قدمه بقي محفورا في الصخر، وقد بنى عليه بعض الناس في القديم بنيانا. وهذا غير الحجر المثقوب المشهور المنسوب إلى ابن مشيش أيضا قرب ضريحه بتراب بني عروس.
يتبع.
الصورة لمدشر “إفكاثن” في نونبر 2017.